والعابرون لهذه الطرق نوعان:أحدهما: كافر أو أعمى، ومن كان في هذه أعمى -أي: عن ذكر الله تبارك وتعالى والإيمان به- فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً عن صراط الله الذي على متن جهنم، فيسقط في النار والعياذ بالله، قال تعالى: ((
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ))[طه:124-125]، أي: يا رب وعدت أن تبعث الناس كما كانوا، فلم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً؟ فيذكره الله تبارك وتعالى بأن هذا العمى الحسي في هذا اليوم نتيجة إعراضه عن آيات الله ونسيانها، فكذلك اليوم تنسى، فلا تعطى ما تبصر به الصراط المستقيم. الثاني: ليس بأعمى أو ليس بكافر، لكنه أغمض عينيه وسار في هذا الطريق المظلم، فاختار أن يدخل في الظلام وترك النور، ومن دخل في الظلام الشديد الحالك -حتى لو أنه قد أوتي الإبصار بالعين أو بالحس- فإن ذلك لا ينفعه؛ لأنه أعرض عن النور أو الطريق الذي فيه النور، ومن يعرض عنه إلى الطريق المظلم لا بد أن يقع، وهذا حال صاحب الذنب ومرتكب الكبيرة، قال رحمه الله: (وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب بما يغشاه من رين الذنوب لا يبصر الحق). والران هو الذي قال الله تبارك وتعالى فيه: ((
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))[المطففين:14]، وهو النكت السود التي كل ما فعل العبد ذنباً نكتت فيه نكتة، فيجتمع فلا يبصر الحق، قال: (وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر). أي: لا يرى الحق ولا يرى ما أمامه، فيقع في حفرة إلى أخرى، ولو شاء لفتح عينيه ولتذكر فأبصر، ولهذا نرى التائبين من المؤمنين من يتوب عن قريب، ومنهم من يتوب بعد أشهر، ومنهم من يتوب بعد سنوات من عرضك للحق عليه وإيضاحه له، ومنهم إلى قريب الموت، فلا يتوب إلا عند الموت، ومنهم من يموت غير تائب والعياذ بالله؛ وبالتالي فتتفاوت أحوال الناس في هذا الشأن، فهو ليس بأعمى، لكنه لم يتذكر ليبصر، يقول: (وجاء هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
إذا زنى العبد نزع منه الإيمان فإن تاب أعيد إليه ) )، هذا الذي فسر به
عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه الحديث الآخر الصحيح: (
لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )، وهو كما ذكر الشيخ هنا وذكر
الحافظ رحمه الله أنه جاء مرفوعاً، وهو حسن أو صحيح، وقد علق عليه الشيخ
ناصر رحمه الله بشيء فقال: صحيح، و
الحافظ أيضاً، وهذا الحديث الذي هو مشهور وموقوف عن
ابن عباس رضي الله عنه أيضاً ثبت أنه صحيح مرفوع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، فهو يفسر الحالة: (
لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )، أي: أنه إذا زنى العبد نزع منه الإيمان، فإن تاب أعيد إليه، ولذلك يجب على الإنسان أن يبادر بالتوبة مهما أصاب وارتكب من الذنوب، وذكره للزنا إنما هو مثال أو شاهد، وإلا فكل ذنب يذنبه العبد فهو سبيل أو ربما كان مدخلاً لئن لا يتوب أو يعمى بالكلية والعياذ بالله، والواجب عليه أن يتذكر فيبصر فيعود إليه نور الإيمان في قلبه، وتعود إليه الاستقامة على الطريق الذي هو سائر عليه.